وجه القمر.. نظر في وجه القمر متفرّسا ، كأنّه يراه لأول مرّة، وخامرته الفكر حتّى أصبح الأمر ضربا من جنون وفوضى يعحّ بها رأسه وما عاد قادرا أن يساير تواترها في عقله..الذي انتباه الصدّاع ككلّ مرّة حاول فيها التفكير أو التذكر ..فشدّ ناظربه بكفي يديه ممرّرا أطراف أصابعه الرقيقة والطويلة على موضع الألم الحادّ الذي أحسّ به والذي يكاد يعصف به لفرط شدّة الوجع .. أسرع في ولوج البيت وعصب رأسه ..ليتمدّد على سريره القديم الموروث عن جدّه الذي لم يعرفه الاّ من خلال صور سوداء وبيضاء ..كان بيته المظلم كقبر قد خيّم عليه السّكون ممّا دعاه ليعيد التفكّر في الاموات والقبور وحاله الشبيهة بهم ..لكنه سرعان ما عاد ليطرد تلك الأفكار محاولا مغالبتها بالحجة والبرهان ..فالأموات لا يتنفسون، وكان يسمع من يردّ عليه في داخله أن بلا..ثمّ وهو الآن على فراش وثير وهم فراشهم الثرى... ثم عاد ليخاطب نفسه ..إنهم لا يتألمون لا من صداع أو غيره ، ثمّ أردف محدثا نفسه ..ألم يحدثوه عن عذاب القبر ؟..بلا ..إذن كيف لا يماثل الأموات ؟ أيعقل ان يكون هو الآن ميّت مع الأموات ؟ وكأن فكرة موته في تلك اللحظة فتحت عليه باب التفكير من جديد ، فاشتدّ الألم برأسه ..ولكنّه هذه المرّة استصرخ عقله ليدرك أن حواسه التي حركها ليشدّ ناظريه ويمرّر أطراف أصابعه في حركة دائرية ليخفّف من شدّة الوجع هي دليل على أنّه حيّ يرزق ، وحتى يؤكّد لذاته ذلك قام من سريره برغم الألم ليشعل فانوس الكهرباء الأصفر اللّون والباهت ، وليبدّد فكرة موته كما بدّد الفانوس ظلمة البيت.. وليزيد من الأدلّة على أنّه حيّ مع الأحياء خرج مسرعا إلى الحديقة ليرمق ضوء القمر ..ثمّ قادته قدماه هذه المرّة أيضا إلى ظلمة البيت وتعصيب رأسه من جديد وقد عاوده الألم بأكثر شدّة ليرتمي في أحضان السّرير ويستسلم للوجع بكثير من الصبر حتى غلبه النّعاس وبعد توقف تواتر تلك الأفكار البغيضة عن مشاكسته ... بقلمي/ رؤوف بن سالمة/ تونس
جميل
ردحذف